كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

التوقيع، يريد بذلك أن يضطر المسكين إلى أن يعتصر منه فلوساً ظلماً بسطوة الحكومة وسلطتها، خيانة ومكراً وغدراً!! فهذا الشيء الذي يعرق منه الجبين، فعلى الإنسان أن يتجنبه كل التجنب؛ لأنه مما بَطَنَ من الفواحش، ومع شدة حرمته عند الله، وخساسته من جميع الوجوه، وأن صاحبه لم يتق الله، بل خاف الناس، ولم يفعله أمام الناس خوفاً من الناس، ولم يتق خالقه الذي شق عينيه، وفتح فمه وأنفه، ولم يتق الحَفَظَة الكاتبين معه، فهذه أمور فظيعة شنيعة، نرجو الله أن ينقذنا وإخواننا المسلمين من الوقوع في أمثالها من السفالات التي تربأ الحمير عنها بأنفسها؛ لأن هذا أمْرٌ قَبيح، والأمر إذا كان جامعاً بين شدة القبح وشدة التحريم عند الله فلا ينبغي للعاقل أن يرتكبه.
إِنَّ لِلْعَارِ فَاخْشَهَا مُوبِقَاتٍ ... تُتَّقَى مِثْلَ مُوبِقَاتِ الذُّنُوبِ (¬1)
وعلى كل حال فهذه الآية الكريمة -من سورة الأنعام- نهى الله فيها جميع خلقه عن أن يقربوا من خصلة خسيسة محرمة، أن يقربوا منها فضلاً عن أن يرتكبوها، سواء كان في الظهور والعلن بحيث يراه الناس، أو في الباطن بحيث لا يطلع عليه إلا الله والحفظة الكرام الكاتبون معه، والله (جل وعلا) يقول: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: آية 18] {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: آية 16] فعلى كل مسلم إذا قام بخدمة لأمته أن يخدم أمته بشرف وكرامة ونزاهة؛ ليرضي بذلك الله، ويرضى عنه الحفظة الذين معه، ولا يرفعوا عنه في ليله ونهاره إلى
¬_________
(¬1) لم أقف عليه.

الصفحة 486