كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

السماء إلا عملاً يبيض وجهه، ويرضي الله، ثم يكون مُرضياً ضميره، أما الذي يُلغي هذه الأوامر، ويتنازل إلى هذه الخسة لينال عرضاً قليلاً من الدنيا فهذا ساقط المروءة والدين، وهو عند الله في شرّ مكانة -والعياذ بالله- ألا ترون أن عنترة بن شداد كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولم يأته نذير، بل هو جاهلي، إلا أن عنده ضميراً حيّاً وشيمة عربية، يقول في معلقته (¬1):
وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطَّوَى وَأَظَلُّهُ ... حَتَّى أَنَالَ بِهِ كَرِيمَ المَأْكَلِ

فالذي يكون غير محتاج، وهو يقع في هذه المآثم الخسيسة، هذا لا ينبغي، فنحن نُحَذِّرُ منه إخواننا، ونرجو الله لنا وللجميع أن يوفقهم إلى ما يرضيه من نزاهة تليق، ومعاملة سليمة، والقيام بالخدمة على الوجه اللائق الذي يرضي الله، ويرضي الضمير الإنساني، ويُرْضِي وَلِيَّ الأمْرِ الذي جعل الشخص ممثلاً له في ذلك المحل، والآية عامَّة.
هذا معنى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ} [الأنعام: آية 151] لا شك أن قتل النفس التي حرم الله أنه داخل في (الفواحش) إن فعله علناً أمام الناس فهو داخل فيما ظهر، وإن قتله غيلة من حيث لا يراه الناس فهو داخل فيما بطن؛ لأن قتل النفس من الفواحش، والله (جل وعلا) خصّه مع أنه داخل في العموم، وفي ذلك حكمتان (¬2):
أحدهما: تفظيع القتل وتهويل أمره؛ لأن الله يقول: {وَمَن
¬_________
(¬1) ديوان عنترة ص (98).
(¬2) انظر: البحر المحيط (4/ 252)، الدر المصون (5/ 219).

الصفحة 487