كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لا يقدرُ عليه بَنُو آدمَ، ولا يَقْوَوْنَ عليه (¬1). أما في الآخرةِ فإن اللَّهَ يُرَكِّبُهُمْ تَرْكِيبًا جَدِيدًا قَوِيًّا ليس قَابِلاً للتغيرِ ولا للفناءِ، فَيَقْوَوْنَ بتلك القوةِ على رؤيةِ اللَّهِ جل وعلا.
فَتَبَيَّنَ بهذا أنها جائزةٌ عَقْلاً في الدنيا، إلا أن البشرَ يعجزون ولا يَقْوَوْنَ عليها، وأنها واقعةٌ شَرْعًا. لأنهم في ذلك الوقتِ يُطِيقُونَهَا لتركيبِهم الجديدِ الدائمِ.
هذا مذهبُ أهلِ السنةِ والجماعةِ، وقد قَدَّمْنَا مِرَارًا في هذه الدروسِ (¬2): أن الواجبَ على كُلِّ المسلمين في آياتِ الصفاتِ: أن يعتقدوا ثلاثةَ أُسُسٍ كُلُّهَا في ضوءِ القرآنِ العظيمِ، فَمَنِ اعتقدَ الأسسَ الثلاثةَ كُلَّهَا لَقِيَ رَبَّهُ سَالِمًا على محجةٍ بيضاءَ، وَمَنْ أَخَلَّ بواحدٍ منها وَقَعَ في مهواةٍ قد لاَ يتخلصُ منها، هذه الأسسُ الثلاثُ:
أولُها: - وهو الأساسُ الأكبرُ للتوحيدِ، وهو الحجرُ الأساسيُّ لمعرفةِ اللَّهِ الصحيحةِ، والصلةِ بِاللَّهِ على أساسٍ صحيحٍ وَثِيقٍ. هذا الأصلُ العظيمُ الذي هو أساسُ التوحيدِ، والحجرُ الأساسيُّ لمعرفةِ اللَّهِ معرفةً صحيحةً وثيقةً -: هو اعتقادُ أن خالقَ السماواتِ والأرضِ مُنَزَّهٌ غايةَ التنزيهِ عن أن يُشْبِهَ شيئًا من صفاتِ خَلْقِهِ أو ذَوَاتِهِمْ أو أفعالِهم. فهو (جل وعلا) العظيمُ الأَعْلَى الذي لا يُشْبِهُ شيئًا من خَلْقِهِ، ومَنِ الْخَلْقُ حتى يُشْبِهُوا مَنْ خَلَقَهُمْ؟ أليسوا أَثَرًا من آثارِ قدرتِه وإرادتِه؟ كيفَ تُشْبِهُ الصنعةُ صانعَها؟ لا.
¬_________
(¬1) انظر: شرح الطحاوية ص 220، مختصر الصواعق 180.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (52) من سورة الأنعام، وسيأتي في مواضع أخرى متعددة.

الصفحة 49