كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وهذا الأساسُ العظيمُ، الذي هو أساسُ التوحيدِ، والحجرُ الأساسيُّ لمعرفةِ اللَّهِ معرفةً صحيحةً، الذي هو تَنْزِيهُ خالقِ السماواتِ والأرضِ عن مشابهةِ الخلقِ، بَيَّنَهُ اللَّهُ في آياتٍ من كتابِه، كقولِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11]، {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: آية 4]، {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: آية 74]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم: آية 65] هذا أساسُ التوحيدِ الأكبرُ، فإذا نظَّفَ الِإنسانُ ضميرَه من نجاسةِ وتقذيرِ التشبيهِ كان سَهْلاً عليه أن يؤمنَ بما وَصَفَ اللَّهُ به نفسَه، وما وَصَفَهُ به رسولُه - صلى الله عليه وسلم - إيمانًا مَبْنِيًّا على أساسِ التنزيهِ؛ لأن كُلَّ البلايا مَنْشَؤُهَا من أقذارِ القلوبِ بنجاساتِ التشبيهِ، فَمَنْ طَهَّرَ قلبَه عن أقذارِ التشبيهِ ونجاساتِها، وَعَلِمَ أن صفاتِ اللَّهِ بالغةٌ من غاياتِ الكمالِ والجلالِ ما يقطعُ علائقَ أوهامِ المشابهةِ بينَها وبينَ صفاتِ المخلوقينَ: سَهُلَ عليه أن يؤمنَ بالصفاتِ؛ لأنه يعتقدُ في معانِيها التنزيهَ الكاملَ عن مشابهةِ الخلقِ.
وهذانِ الأصلانِ اللذانِ بَيَّنَّاهُمَا الآنَ - اللذان هما: تنزيهُ اللَّهِ عن مشابهةِ خَلْقِهِ، والإيمانُ بِمَا وصفَ به نفسَه، أو وَصَفَهُ به رسولُه إيمانًا مَبْنِيًّا على أساسِ التنزيهِ، وعدم مشابهةِ الخلقِ - لم نَقُلْهُ من تلقاءِ أَنْفُسِنَا، وإنما قُلْنَاهُ في ضوءِ تعليمِ خالقِ السماواتِ والأرضِ في ضوءِ الْمُحْكَمِ المنزلِ؛ لأَنَّ اللَّهَ لَمَّا قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَتْبَعَ ذلك بقولِه: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)} [الشورى: آية 11] فَإِتْيَانُهُ بقولِه: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)} بعدَ قولِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيه تعليمٌ أعظمُ، وَمَغْزًى أكبرُ، وسِرٌّ سماويٌّ لا يَخْفَى، لا يَبْقَى معه في الحقِّ لَبْسٌ؛ لأنه قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)} بعد قولِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} مع أن السمعَ والبصرَ - وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى -

الصفحة 50