كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

هي داخلة في قوله: {إِلَّا بِالْحَقِّ}. ومن يقول: إن صاحبها لا يُقتل. يقول: لم تدخل في قوله: {إِلَّا بِالْحَقِّ} لأنها عارضها ما هو أقوى منها، وهو حديث ابن مسعود المتفق عليه: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ... » الحديث (¬1)، وهذا معنى قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.
ثم قال جل وعلا: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: آية 151]. الإشارة مفردة، والمُشار إليه كثير؛ لأن هذا شامل لـ {أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُم مِّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} هذه الآية الأولى من هذه الآيات المحكمات تضمنت خمسة أحكام شرعها الله في جميع الأديان، ولم يَنْسَخ شيئاً منها في لسان نبي، والمعنى: ذلكم المذكور؛ لأن (ذا) إشارة إلى مفرد، والمشار إليه جماعة، وهذا معروف في كلام العرب أن يُشيروا إلى التثنية أو الجمع بإشارة المفرد؛ لأن المقصود: (ذلكم المذكور) وقد أوضحنا هذا في البقرة (¬2)، في الكلام على قوله: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: آية 68] أي بين ذلك المذكور من الفارض والبكر فرجع المفرد على الاثنين، ونظيره من كلام العرب: قول عبد الله بن الزّبَعْرى (¬3):
إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلَا ذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ وَقَبَلْ
¬_________
(¬1) مضى قريباً عند تفسير هذه الآية.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة البقرة.
(¬3) السابق.

الصفحة 500