كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فأشار بـ (ذلك) إلى اثنين. ولمّا سُئل رؤبة بن العَجاج في رَجَزِيَّتِه القَافِيَّة المشهورة، قال فيها (¬1):
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي اللَّيْلِ تَوْليعُ البَهَقْ

فقال له قائل: لِم قلت: «كأنه» بإفراد الضمير المذكر، إن كنت تعني الخطوط كان اللازم أن تقول: «كأنها» وإن كنت تعني السواد والبلق كان اللازم أن تقول: «كأنهما» فمن أين جئت بقوله: «كأنه»؟ قال: أعني (كأنه) أي: جميع ما ذُكر، ولذلك قوله: {ذَلِكُمْ} أي: جميع ما ذُكر من الأحكام الخمسة وصى به الله. وهذه الآية الكريمة فيها سرّ لطيف؛ لأن الذي يوصيك كأنه يعتني بك، ويجعل الأمر إليك.
والوصية في لغة العرب: هي الأمر المؤكد (¬2). تقول: أوصيتُ فلاناً على كذا: أمَرْتُهُ بِهِ أَمْراً مُؤَكَّداً.
{ذَلِكُمْ} المذكور {وَصَّاكُمْ} الله {بِهِ} على لسان نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -، أمركم به ... {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (لعل) في القرآن فيها أقوال معروفة للعلماء (¬3)، أقربها وأشهرها قولان:
أحدها: أنها على بابها من التَّرَجِّي، والمعنى: ذلكم وصاكم به على رجاء أنكم تعقلونه عن الله، وهذا الرجاء مُنْصَرِف إلى الآدميين الذين لا يعرفون عواقب الأمور، أما هو (جل وعلا) فهو عالم عاقبة الأمور، وما يجري عليه معنى (لعل)، ولذا قال لموسى وهارون في
¬_________
(¬1) السابق.
(¬2) انظر: القرطبي (7/ 134)، البحر المحيط (4/ 252).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (52) من سورة البقرة.

الصفحة 501