كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)} [الماعون: الآيتان 1، 2] والدَّعُّ: الدَّفْعُ بِقُوَّةٍ؛ أي: يدفعه بقوة عن حَقِّهِ ويَظْلِمُه (¬1)، والله (جل وعلا) أرسل هذا النبي الكريم (صلوات الله وسلامه عليه) بكمال الإنصاف، ومكارم الأخلاق، والمحافظة على حقوق الضعيف الذي لا يقدر على الدفاع عن نفسه؛ ولذا نهى عن قُربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، ونهى عن ظلم المرأة، وبيَّن أنَّ مَنْ ظَلَمَ المَرْأَةَ تعرض إلى بطش ملك جبار عظيم، حيث قال في سورة النساء: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: آية 34] أي: لا تظلموهن إن أطعنكم وكُنَّ غير ظالمات، ثم أتبع ذلك بقوله: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} يعني: من يحافظ على حقوقهن وينتقم لمن ظلمهن عليَّ كبيرٌ عظيمٌ، يُرْهَب منه وتُخافُ سطْوَته.
كذلك قال هنا: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} تكلمنا على الحكمة في النهي عن قُرب الشيء، وأن المراد بها سدّ الذريعة والتباعد منه بالكلية، ومال اليتيم: هو ماله الذي هو ملك له، سواء ورثه من أبيه، أو حصل له بطريق أُخرى، واليتيم (فَعِيْل) من اليُتم، واليُتم في لغة العرب معناه: الانفراد، تقول العرب: هذه يتيمة عصماء، يعنون: ياقوتة منفردة لا نظير لها، وإنما قيل لليتيم (يتيم) لانفراده عن وَلِيِّهِ الذي من شأنه أن يَقُومَ بِأَمْرِهِ وهو أبوه (¬2). واليتيم في بني آدم: هو مَنْ مَاتَ أبوه وإن كانت أمه حيّة، ولا يُتم بعد بلوغ بإجماع العلماء (¬3)، فالبالغ لا يُسمَّى يتيماً بإجماع العلماء. واليتيم: هو
¬_________
(¬1) انظر: المفردات (مادة: دع) (314).
(¬2) انظر: المصباح المنير (مادة: يتم) (260)، المفردات (مادة: يتم) (889).
(¬3) انظر: المغني (7/ 306)، القاموس الفقهي ص 392.

الصفحة 505