كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

المعنى: لا [تقربوا] (¬1) ماله إلا بالتي هي أحسن، حتى يبلغ أشده، فإن بلغ أشده فاقربوه بغير التي هي أحسن، ليس هذا مراداً بإجماع العلماء، وإنما الغاية تتعلق بمحذوف دل المقام عليه، أي: فحتى يبلغ أشده، فإن بلغ أشده وآنستم منه رشداً فادفعوا إليه ماله.
وإنما كانت الغاية: لأنه إذا كان بالغاً أشده مستكملاً قوته وعقله، لا يقدر أحد على أن يغتصب منه ماله، فهو كسائر الرجال.
والأشُد هنا: التحقيق الذي لا شك فيه أنه بلوغ الحُلم مع إيناس الرشد (¬2)؛ لأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وقد قال الله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: آية 6] فدلت آية النساء على أن الأشد في الغاية هنا: أنه أن يبلغ الحلم، ويُؤنس منه الرشد؛ لأن ببلوغ الحلم يتقوى بدنه ويكون في قوة الرجال، وبإيناس الرشد يتقوى عَقْلُهُ ونَظَرُهُ، فاجتمع أشده بدناً وفكراً ونظراً، فعند ذلك يُعطى ماله، وخير ما يُفَسَّرُ به القرآن القرآن.
أما الأشُد من حيث هو: فهو يطلق على خمس وعشرين، وعلى ثلاثين سنة، وعلى أربعين، وعلى ستين، وعلى خمسين (¬3). ومن إطلاقه على الخمسين قول سحيم بن وثيل الرياحي (¬4):
¬_________
(¬1) في الأصل: «تبلغوا» وهو سبق لسان.
(¬2) انظر: أضواء البيان (2/ 279).
(¬3) انظر: ابن جرير (12/ 222)، القرطبي (7/ 135)، البحر المحيط (4/ 252)، الكليات 540، الدر المصون (5/ 221)، أضواء البيان (2/ 279، 280).
(¬4) البيت في القرطبي (7/ 135)، أضواء البيان (2/ 280).

الصفحة 508