كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي ... وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشّؤُونِ

فهذه الأقوال المرْوِيَّة عن العلماء في الأشُد -من خمس وعشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، إلى ستين- لا ينبغي أن تُذْكَرَ في هذا الموضع؛ لأن بلوغ اليتيم أَشُدَّه صرح القرآن بأنه بُلُوغُ الحُلُمِ مَعَ إيناس الرّشد، كما أوضحته آية النساء {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ} [النساء: آية 6] أما أقوال العلماء في (الأَشُد) فينبغي أن تكون عند آية قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: آية 15] لأن بلوغ الإنسان الأَشُد بالنسبة إلى غير دفع ماله إليه هو الذي ينبغي أن تكون فيه الأقوال المعروفة (¬1).
وكلام أهل اللغة في الأشُدّ معروف (¬2)، قال بعضهم: الأشُد واحد لا مفرد له من لفظه، وإتيان المفرد على وزن (أفْعُل) نادر جدّاً، ومنه قولهم: (آنُك) و (الآنُك) هو الرصاص، وهو مفرد على وزن (أفْعُل)، وقال سيبويه: الأشُد جمع (شِدَّة)، كنعمة وأَنْعُم، وشِدّة وأشْدُد، أصله: (أَشدُد)، وعلماء العربية يقولون: إن قول الشيخ سيبويه من قبيل اللغة معروف؛ لأن العرب يقولون: بلغ الغلام شِدته: إذا قَوِيَ واشْتَدَّ، إلا أن جمع (فِعْلة) على (أفْعُل) لم يُعرف في كلام العرب. أما قول سيبويه: إن النعمة تجمع على أنْعُم. فقد قالوا: ليس ذلك كذلك، وإنما الأنْعُم جمع نُعْم، كما تقول العرب: نُعْمٌ وأنْعُم، وبُؤْس وأَبْؤُس، و (الفُعْل) قد يُجْمَع على (أفْعُل)، وقال
¬_________
(¬1) انظر: أضواء البيان (2/ 280 - 281).
(¬2) انظر: البحر المحيط (4/ 253)، الدر المصون (5/ 220 - 221)، أضواء البيان (2/ 279).

الصفحة 509