كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

واعتمده الفرزدق في شعره حيث قال (¬1):
ما زالَ مُذْ عَقَدَتْ يداهُ إِزَارَهُ ... فَسَما فأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبَار ...
يُدْنِي خَوافِقَ مِنْ خَوافِقَ تَلْتَقي ... في ظِلِّ مُعْتَبطِ الْغُبَارِ مُثَارِ
فقوله ببلوغه: (خمسة الأشبار) يعني أنه بلغ مبلغ الرجال، وأسباب البلوغ كثيرة معروفة في الفروع، منها: إنبات العانة، وليس المراد به إنبات الشعر؛ لأن الشعر ينبت عليها من الطفل، وإنما المراد خشونة وغلوظة تعرض للمحل عند البلوغ، والعلماء يذكرون له أسباباً كثيرة، ومنها بلوغ الحلم، كما قال: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ} [النور: آية 59]؛ أي: صاروا بالغين مبلغ الرجال {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} ومعنى (بلوغ الحُلُم): أن الصَّبِيَّ إذا رأى في نَوْمِهِ أنه يجامع لا ينزل منه مني، بخلاف البالغ، إذا رأى في النوم أنه يجامع، فإنه ينزل منه المنيّ، وذلك معنى بلوغه الحلم؛ أي: إنزال المني بسبب ما يَرَاه في حلم النائم، وهذا معنى قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي: فإن بلغ أشده فادفعوا إليه ماله إن آنَسْتُمْ مِنْهُ رشداً، كما تقدم في سورة النساء.
وهذه الآية الكريمة تدل على أن ظلم اليتيم حرام، ولما أنْزَلَ الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} [النساء: آية 10] خاف الصحابة الذين عندهم أيتام، وعزلوا مال الأيتام عن مالهم، وطعامهم عن طعامهم، حتى صار ما فضل عن اليتيم من طعامه يبقى ولا يجد مَنْ يأكله؛ خوفاً منه، وربما فسد،
¬_________
(¬1) البيتان في اللسان (مادة: خمس) (1/ 901)، ضياء السالك (2/ 153)، أضواء البيان (2/ 279).

الصفحة 511