كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

أي: يبلغ الحلم، وُيؤنَس منه رُشد، فادفعوا إليه ماله، وأشهدوا عليه إذا دَفَعْتُمُوه إليه.
ثم قال: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} هذه أوامر اجتماعية عظيمة، تدل على كمال تشريع الإسلام، ورعاية دين الإسلام لمصالح البشر، كبيرها وصغيرها، جليلها وحقيرها.
والمكيال والميزان هما الآلتان التي جعلهما الله (جل وعلا) لتُضبط بهما المبيعات، وهذا من فَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ بخلقه؛ لأن الله خلق الإنسان محتاجاً للغذاء، ومُفْتَقِراً للنِّسَاء، وخلق له ما في الأرض جميعاً، ولم يَتْرُكْه سدًى، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى طَعَامِ أخيك، وأخوك محتاج إلى طعامٍ آخر عندك، فلو لم يجعل الله المقادير بمكيال وميزان تَعْرِف به قدر ما تدفع وقدر ما تأكل لتَهَارَشْتُمْ على ذلك تَهَارُشَ الحُمُر والكلاب، فالميزان والمكيال آلات جعلها الله (جل وعلا) لِخَلْقِهِ ليأخذ كل واحد منهم غرضه من أخيه طيبة نفسه، عارفاً قدر ما أَخَذَ، وقدر ما أُخذ منه، طيب النفس بذلك، بحيث ينتفع كلٌّ من أخيه، وتتبادل المصالح عن طيب نفس وسماحة وسخاء، ولذا قال: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} قال بعض العلماء: الكيل هنا معناه المكيال، وإيفاء الكيل وإيفاء المكيال راجعان إلى شيء واحد (¬1)،
وكذلك إيفاء الميزان وإيفاء الوزن معناهما واحد، والله (جل وعلا) يعلم أن بعض الأخِسَّاء من الذين يتولّون الكيل والوزن عندهم حيل دقيقة، ينقصون بها حقوق الناس إذا كانوا يكيلون
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 136) ..

الصفحة 513