كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

للناس، ويزيدون حقوقهم إذا كانوا يكيلون لأنفسهم، فحَذَّرَهُم الله من هذا الفِعْل الخسيس، وعظّم شأنه، وتوعد عليه التوعد العظيم الهائل بالويل؛ وذلك لأن المال هو شريان الحياة، والطعام الموزون المكيل هو الذي به حياة الدنيا وقوامها {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: آية 8] فالآلات التي نُصبت عدلاً لذلك ينبغي الاحتياط الكامل في إقامتها على وجهها، وعدم الغش والخديعة فيها؛ ولذا كثر في القرآن العظيم الإيصاء بإيفاء الكيل والوزن، كما قال جل وعلا: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ (182)} [الشعراء: الآيتان 181، 182] وذكر الله عن نبيه شعيب مواضع متعددة من ذلك {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)} [هود: آية 85] وفي آية أخرى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} (¬1)
[الأعراف: آية 85]، والله جل وعلا يقول: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} [الرحمن: الآيات 7 - 9] ومن عصى هذه الأوامر ولم يتتبعها فيا ويله! ويا ويله! لأن خالق السماوات والأرض يقول في الذين يُخسرون الكيل والميزان: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1)} ويكفيك من التهديد والوعيد لفظة (ويل) المتوجهة من الله إلى من يفعل هذا الفعل الخسيس الدنيء الرذيل، ثم فسَّر المطففين بأنهم {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: الآيتان 1، 2] يعني: إذا كان الكيل لهم من الناس كالوا كيلاً وافياً، وإذا كالوا من متاعهم للناس أو وزنوا للناس يخسرون؛ أي: ينقصون
¬_________
(¬1) والشاهد قوله تعالى قبله في نفس الآية: {فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} ..

الصفحة 514