كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

-مثلاً- قُرباؤُه: كأولاده أو ماله أو عرضه أو دينه، فإذا أصيب في دينه فتلافيه سهل؛ لأنه إذا أناب إلى الله قد يتوب الله عليه، وقد يكون انكسار التوبة يبلغ به مرتبة عند الله أحسن مما كان قبل فِعْلِ الذَّنْبِ؛ لأن الإنابة إلى الله والتوبة والتذلل والخضوع والانكسار من الذنوب قد يكسب العبد درجة أعظم من درجته قبل أن يواقع الذنب، والمال قد يخلفه شيء بسيط، فصفقة واحدة قد يربح منها أضعاف ما خسر، والأنفس قد تُعَوَّض بالولادة، فيموت له ولد فيولد له عشرة أولاد، قالوا: أما العِرْض فإذا ضاع من الإنسان فلا شيء يخلفه؛ لأنه إذا ضاع عرضه، وعُرفت الفضيحة أمام الناس لم يمكن أن يداوي ذلك، ولو رجع إلى مكارم الأخلاق، فتلك الفضيحة بقيت فيه، لكن فضيحة الدنيا وإن كانت من أعظم
المصائب، ففضيحة الآخرة أعظم وأطَمّ؛ لأن المفتضح في الآخرة إنما يُفْضَح بذنوب تؤديه إلى العذاب والنكال يوم القيامة -والعياذ بالله- فَعَلَى مَنْ وَلَّاه الله الكيل أو الوزن أن يَحْذَرَ من الله، ويخاف من فضيحة الآخرة، ويوفي الكيل إيفاءً تامّاً، ويوفي الميزان، ولا يغش وينصب فيستوفي لنفسه وينقص للناس، وهذا معنى قوله: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [الأنعام: آية 152] القِسْط في لغة العرب معناه: العدل، والقَسط -بالفتح- الجور (¬1)، فالمقسطون من أهل الجنة، والقاسطون من أهل النار، كما قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15)} [الجن: آية 15] لأن القاسط اسم فاعل القَسْط -بالفتح- من قَسَط الثلاثية، وهو الجائر الحائد عن الهدى، والمُقْسِط: من القِسْط، وهو العدل.
¬_________
(¬1) انظر: المفردات (مادة: قسط) (670).

الصفحة 516