كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

ومعنى كونه بالقسط؛ أي: بالعدل التام، بحيث لا يزيد ولا يَنْقُص، فلا يطلب المشتري زيادة على حَقِّهِ، ولا ينقص البائع المشتري عن حَقِّهِ، فليكن الحق كاملاً وافياً من غير [زيادة] (¬1) ولا نقصان، وهذا معنى إيفائه بالقسط. ولما كان الإنسان قد يبالغ جهده في أن يوفي المكيل، وقد يتفاوت ذلك؛ فبعض المكاييل يبني عليه المكيل، ويرتفع بعضه فوق بعض، حتى يكون وافياً، وبعض الناس يجتهد في أن يفعل ذلك، ويختل عليه شيء من غير قصد منه، إذا كان الله يعلم صلاح نيته وقصده للإيفاء، إلا أنه وقع تقصير أو نقص من غير قصده، فهذا معفوّ عنه، بدليل قوله: {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: آية 152] فهذا الإيفاء في الكيل والوزن الذي كَلَّفْنَاكُمْ بِهِ إنما نعني به حسب ما تستطيعون، فمَنْ بَذَلَ مجهودَهُ في إيفاء الكيل والوزن ثم وقع نقص من غير قصده فهو معفوّ عنه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، هذا سبب نزول الآية (¬2)، وهي عامة؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، أي: طاقتها، وهو الشيء الذي في طاقتها وقدرتها لا تعجز عنه، ولا يشق عليها مشقة عظيمة، وهذا من التسهيل على هذه الأمة، لا يكلفها الله ما أخطأت فيه وما نسيت، وقد جاء في الذكر المحكم: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: آية 5] وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ من خواتيم سورة البقرة {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: آية 286] قال الله: نعم قد فعلت.
¬_________
(¬1) في الأصل: «تمام» وهو سبق لسان.
(¬2) انظر: أضواء البيان (2/ 281).

الصفحة 517