كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

(نعم) في رواية أبي هريرة، و (قد فعلت) في رواية ابن عباس، وكلتاهما ثابتة في صحيح مسلم (¬1)، والله (جل وعلا) يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: آية 5] فالخطأ والنسيان وما لا يقصده الإنسان مَعْفُوٌّ عنه؛ ولذا قال: {لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}.
ثم قال: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: آية 152] وهذه الآية عظيمة جدّاً، وهي من الآداب الاجتماعية العامة، البالغة في العظمة، وهي تشمل أشياء كثيرة، إذا كنت تشهد بحق فلا تشهد عند القاضي إلا بعدل، واخش شهادة الزور لأجل قريب، أو رشوة أو غير ذلك، وإذا كنت قاضياً فلا تقل إلا الحق، واحذر أن تميل لقرابة أو لغرض أو رشوة {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [النساء: آية 58] وإذا كلمت أخاك المسلم فلا تقل إلا عدلاً، ولا تقل له شيئاً يُؤْذِيه، ولا تكذب عليه، وإذا حدثت عن قصة ماضية فلا تقل إلا عدلاً ولا تكذب، وإذا حدّثت عن الله فلا تقل في صفاته إلا اللائق الكريم، وإذا قلت في كل قول فلا تقل إلا أمراً كريماً عدلاً.
ومن حفظ لسانه وكان لسانه معتدلاً لا يقول إلا ما يرضي الله فإن هذا من أحكم الآداب الاجتماعية التي يُطفَأُ بها الشرر العظيم المتفشِّي في المجتمع؛ لأن أكثر الأضْرَار الاجتماعية هي جنايات اللسان، وعدم اعتداله في قوله، فيقول على هذا ما لم يفعل، ويلمز هذا بما يؤذيه، ويشهد على هذا بالزور، ويحكم على هذا بالباطل،
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (90) من سورة الأنعام.

الصفحة 518