كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فإذا كان يزن قوله بميزان الشرع ولا يقول إلا عدلاً، كان هذا من أعظم الآداب الاجتماعية، وأكثر المنافع للمجتمع وأعظمها تفادياً لكثرة الأضرار الناشئة عن عدم العدل في القول؛ ولذا قال جل وعلا: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} يعني: لا تحملك قرابة أحد على أن لا تعدل في القول فتشهد له بباطل لِقَرَابَتِهِ، أو تشهد على خصمه بما يُؤْذِيه، أو تشهد على الشاهد لِخَصْمِهِ إن جرحه، أو نحو ذلك، فلا تحملنَّك القرابة أن تقول إلا عدلاً، ولا يصدر منك كلام إلا على الحق والعدل المطابق لما يرضي الله (¬1)، كما قدمنا في قوله: {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ} [المائدة: آية 8] وفي الآية الأخرى: {كونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلهِ وَلَوْ عَلَى أنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: آية 135] أي: ولا يحملك أيضًا أن هذا فقير وهذا غني، فتشهد على الغني رحمة بالفقير، أو تكتم الشهادة على الفقير رحمة به للغني لا تفعل هذا، فَقُل الحق على بابه كائناً من كان على القريب وعلى الفقير وعلى الغني.
وآية النساء هذه: {إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا} وما بعدها فيه سرّ أعظم وتعليم أكبر؛ لأن الله يعلم أنه سيأتي في آخر الزمان مذاهب هَدَّامة، تتصل إلى سلب حقوق الناس أموالهم بدعوى أن هذا فقير وأن هذا غني، وأن هذا الغني ابْتَزَّ ثروات الفقراء، وأنه ينبغي أن يُنْزَع مال الغنيّ ليستوي هو والفقير باسم العدالة الاجتماعية! فالله (جل وعلا) علم أن هذا سيقع، وبَيَّن حكمه قبل أن يقع، فقال: لا تتخذوا من كون هذا غنيّاً وكون هذا فقيراً طريقاً
¬_________
(¬1) انظر: أضواء البيان (2/ 281).

الصفحة 519