كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

تتصلون بها إلى ظلم الناس، وأخذ أموال الناس؛ اتباعاً للهوى {إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ} [النساء: آية 135] وتتخذوا من ذلك طريقاً تأخذون بها أموال الناس من غير رضاهم {فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فعلى المسلم أن يعمل بقوله: {وَإذَا قُلْتُم فَاعْدِلوُا} فإذا أراد أن يَتَكَلَّم تأمل في الكلام الذي يقوله، فإذا كان حقّاً صواباً مرضياً لله فليقدم عليه، وإذا كان جوراً غير حق فليُحْجِمْ عَنْه، كأن يعيب الإنسان، أو يشهد بشهادة الزور أو يحكم بباطل، أو يقول عن إنسان ما ليس فيه، أو يحكي قصة فيحرِّفها، إلى غير ذلك، وهذا من المصالح العامة التي تدل على أن هذا الدين سماوي، وأن هذا كلام خَالِق الخَلْق {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: آية 152] أي: ولو كان المقول عليه من شهادة أو حكم أو أنه ظالم {ذَا قُرْبَى} أي: صاحب قرابة، حتى ولو كان على نفسك، كما بيّنته آية النساء.
ثم قال: {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ} هذه أيضاً من الآيات العظام الشاملة للمسائل الاجتماعية والإلهية، فهي من غرائب التشريع؛ لأنها شملت أحكام دين الإسلام؛ لأن العهد المضاف إلى الله هنا هو على التحقيق يشمل أمرين:
أحدهما: عهد بين المخلوق والخالق، كالنذور التي ينذرها طاعة لله، والله يقول: {وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: آية 29] وقد مدح أهل الجنة بذلك حيث قال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)} [الإنسان: آية 7] وقد يكون عهد الله فيما بين عبيده؛ لأن العهد فيما بينك وبين أخيك هو عهد لله؛ لأنه أخذ على كل منكما العهد أن يفي لأخيه بما عاهده عليه، وأن لا يفعل معه إلا

الصفحة 520