كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

خيراً، ومن عهود الله التي يجب الوفاء بها: وَصَايَاه التي أوْصَانَا بها في هذه الآيات المحكمات، وجميع أوامره ونواهيه، وامتثال أمر الله واجتناب نهيه، كل هذه عهود الله على خَلْقِهِ في جميع التشريع يجب الوفاء بها، وكذلك عهدك على أخيك، كأن تقول له: لك عَلَيَّ كذا، أو أشترط عليك كذا، أو أعْهَدُ إليك بكذا، فإنه يجب الوفاء في ذلك.
وفي هذه الآية تعليم عظيم؛ لأن كثيراً من الفقهاء غلطوا غلطاً فاحشاً في حديث، يرفع ذلك الغلط آيات من كتاب الله، منها هذه الآيات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء عنه في حديث أنه قال: «مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (¬1)، فكان ابن حزم (¬2) ومَنْ غَرَّهُ كَلَامُه وكثير من الفقهاء الذين لم يتدبروا معاني القرآن يَظُنّون أن كل شرط لم ينص القرآن على عينه أنه باطل؛ ولذا أبطل بعض العلماء كثيراً من الشروط، كأن تَشْتَرِطَ عَلَى أخِيكَ كَذَا في البيع من أمر مباح، أو تشترط المرأة على الزوج في عقد النكاح أمراً مباحاً، ويقولون: هذه الشروط ليست في كتاب الله، فهي باطلة.
والتحقيق: أن كل شرط لا يُحل حراماً، ولا يحرِّم حلالاً فهو في كتاب الله؛ لأن الله أمر بالوفاء بالعهد أمراً عامّاً، كقوله هنا: {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا} وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: آية 1] فكل شرط اشترطه مسلم على
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في المكاتب، باب ما يجوز من شروط المكاتب، حديث رقم: (2561)، (5/ 187)، ومسلم في العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق، حديث رقم: (1504)، (2/ 1141).
(¬2) انظر: المحلى (9/ 44).

الصفحة 521