كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

مسلم، ولم يكن هذا الشرط يبيح حراماً حرّمه الله، أو يحرم حلالاً أحلّه الله، بل كان مشترطاً أمراً جائزاً، فهذا الشرط في كتاب الله؛ لأن الله أمر المسلمين بالوفاء بالعهود في آيات كثيرة، وهي شروط عامة، كقوله هنا: {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ} يعني: أن عهد الله هنا يشمل جميع الأمانات؛ من امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، ويدخل فيه الوفاء بالنذور، ويدخل فيه عهود المسلمين بعضهم على بعض، وشروط بعضهم على بعض؛ لأن المسلمين عند شروطهم، فكل شرط اشترطه مسلم على مسلم، وكان ذلك الشرط لا يحل حراماً حرَّمه الله، ولا يحرم حلالاً أحله الله، فهو في كتاب الله؛ لعموم الأدلة على وجوب الوفاء بالعهود، والشروط من أوكد العهود التي أمر الله بالوفاء فيها، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه أنه قال: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (¬1) فما تشترطه المرأة على زوجها بالعقد إن كان لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً.
أما الشرط الذي أحل حراماً أو حَرَّمَ حلالاً فهو ليس في كتاب الله، فهو باطل وإن كان مئة شرط، وهذا معنى قوله: {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا}.
ثم أعاد الله (جل وعلا) الوصية وكَرَّرَهَا علينا، ثم قال: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} ذلكم المذكور في هذه الآية من التباعد من أكل مال اليتيم، ومن بخس المكيال والميزان، ومن عدم العدل في القول، ومن الإيفاء بالعهد، هذه الأمور التي أمَرَكم الله بها، وحذركم عن
¬_________
(¬1) البخاري في الشروط، باب: الشروط في المهر عند عقدة النكاح، حديث رقم: (2721)، (5/ 323)، وطرفه في (5151)، ومسلم في النكاح، باب: الوفاء بالشروط في النكاح، حديث رقم: (1418)، (2/ 1035).

الصفحة 522