كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بالقرآن العظيم بعده فقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: آية 155] ومثل هذا يَتَكَرر في القرآن، كقوله في التوراة: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: آية 91] ثم قال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأنعام: آية 92] فأتبع التنويه بالتوراة التنويه بالقرآن، كقوله: {وَمِن قَبله كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحمَةً وَهَذَا} يعني: القرآن {كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [هود: آية 17] وكقوله: {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: آية 48] وفي القراءة الأخرى (¬1): {سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا} [والجن] (¬2) الذين استمعوا القرآن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأحقاف: آية 30].
ومعنى الآية الكريمة: وهذا الذي تُتْلَى عليكم آياته كهذه الآيات المحكمات: {تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... } إلى آخر الآيات [الأنعام: آية 151]، {وَهَذَا} الذي تُتلى عليكم آياته جامعة هذا من الأحكام والتشاريع، {كِتَابٌ} هو كتاب الله (جل وعلا) الذي هو آخر كتاب نَزَلَ من السماء، وهو أعظم كتاب سماوي على أعظم رسول أرْسَلَهُ الله في الأرض، فهو آخر الكتب السماوية، ونازلٌ على آخر الرسل وخاتمهم - صلى الله عليه وسلم -، جمع الله فيه علوم الكتب السابقة، ولذا صار القرآن مهيمناً على الكتب السابقة، كما قدّمناه في سورة المائدة في قوله: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة: آية 48]
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص341.
(¬2) في الأصل: «واليهود» وهو سبق لسان.

الصفحة 525