كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فلما كان مكتوباً في اللوح المحفوظ، وفي الصحف عند الملائكة، وبالصحف بأيدي المسلمين قيل له: (كتاب) وأصل الكتاب: (فِعَال) بمعنى (مفعول) وإتيان (الفِعَال) بمعنى (المفْعُول) مسموع في لغة العرب في كلمات غير كثيرة، ككتاب بمعنى مكتوب، ولباس بمعنى ملبوس، وإله بمعنى مَأْلُوه، أي: معبود، ونحو ذلك في أوزان غير كثيرة.
وأصل مادة الكتابة، مادة (الكاف، والتاء، والباء) (كتب) معناها في لغة العرب التي نزل بها القرآن: الضَّمّ والجمع، فكل شيء ضممت بعضه إلى بعض وجمعت بعضه إلى بعض فقد كَتَبْتَهُ، ومِنْ هنا قيل للخِيَاطة كتابة، وفي لُغَز الحريري (¬1):
وَكَاتِبِينَ وَمَا خَطَّتْ أَنَامِلُهُمْ ... حَرْفاً وَلَا قَرَؤُوا مَا خُطَّ في الْكُتُبِ

يعني بالكاتبين: الخيَّاطين. ومنه قول عمرو بن دارة يهجو بني فزارة من قبائل غطفان كانت العرب تعيّرهم بالفاحشة مع إناث الإبل، يزعمون أنهم يزنون بالنوق، تعييراً لهم، فَعَيَّرهم هذا الشاعر فقال (¬2):
لَا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ ... عَلَى قُلُوصِكَ وَاكْتُبْهَا بَأَسْيَارِ

يعني: خِط فرجها بأسيار لئلا يزني بها، وهذا معنى معروف في كلام العرب.
ومنه قيل للرقعة التي تكون في السقاء، وقيل لها: كُتْبَة، وقيل للسَّيُر الذي تُخاط به الرقعة أيضاً: (كُتْبة)؛ لأنَّه يضم الرقعة إلى
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (38) من هذه السورة.
(¬2) السابق.

الصفحة 529