كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

أن عقلَك الضعيفَ المسكينَ محيطٌ بِكُلِّ صِفَاتِي وكيفياتِها؟ لا، وكَلاَّ.
فهذه الأسسُ الثلاثةُ في ضوءِ القرآنِ العظيمِ طريقُ سلامةٍ محققةٌ؛ ولذا ما ثَبَتَ من رؤيةِ اللَّهِ بالأبصارِ نُمِرُّهُ كما جاءَ، ونعتقدُ أنه حَقٌّ على الوجهِ اللائقِ بكمالِه وجلالِه، المنزهِ عن مشابهةِ صفاتِ المخلوقينَ من جميعِ النَّوَاحِي.
إذا عرفتُم هذا: فَاعْلَمْ أن العلماءَ أجابوا عن استدلالِ المعتزلةِ بهذه الآيةِ الكريمةِ على مذهبِهم الباطلِ بأجوبةٍ متعددةٍ:
منها: أن معنَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: آية 103] كما جَاءَ عن ابنِ عباسٍ وجماعةٍ من السلفِ: أن الإدراكَ المنفيَّ هنا هو الإحاطةُ (¬1). والمعنى: لا تُحِيطُ بِهِ الأبصارُ.
والإدراكُ قد يُطْلَقُ على الإحاطةِ كثيرًا (¬2)، كقولِه: {أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} [يونس: آية 90]، أي: أحاطَ به مِنْ جميعِ جهاتِه. {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)} [الشعراء: آية61]. أي: مُحَاطٌ بِنَا.
وعلى هذا فمعنَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ} أي: لاَ تُحِيطُ به الأبصارُ، وإن كانت تَرَاهُ في الجملةِ، فالإدراكُ المنفيُّ هو الإحاطةُ. والإحاطةُ لاَ يستلزمُ نَفْيُهَا نفيَ مُطْلَقِ الرؤيةِ الثابتِ في الأحاديثِ المتواترةِ والآياتِ القرآنيةِ (¬3).
الوجهُ الثاني: أن معنَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 13).
(¬2) السابق: (12/ 14).
(¬3) انظر: أضواء البيان (2/ 206).

الصفحة 53