كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

السقاء، ومنه قول غيلان ذي الرمة (¬1):
مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا المَاءُ يَنْسَكِبُ ... كَأَنَّهُ مِنْ كُلًى مَفْرِيَّةٍ سَرَبُ ...
وَفْرَاءَ غَرفِيَّةٍ أَثْأَى خَوَارِزَهَا ... مُشَلْشَلٌ ضَيَّعَتْهُ بَيْنَهَا الْكُتُبُ

يعني: بـ (الكُتب): قيل: السيور التي تُخاط بها الرقع، أي: مَسْك الرقع، يُشَبَّه كثرة دموعه بماء السقاء إذا اتسع موضع السير الذي خيطت به؛ لأنها جماعة ينضمّ بعضها إلى بعض، ويتشكل مع بعض، فسُميت الخياطة كتابة؛ لأن الخيّاط يضم طرفي الثوب أو الأديم، ويجمع بعضها إلى بعضٍ بالخياطة، كذلك قيل للكتابة (كتابة) لأن الكاتب يضمُّ نقوشاً بعضها مع بعض، يضع حرفاً منقوشاً ثم حرفاً ثم حرفاً، حتى يتكون من ذلك كلام يدل على المعاني؛ فلأجل هذا فالكتابة مصدر سيّال.
أي: وهذا قرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، وفي الصحف عند الملائكة، وفي صحف مطهرة بأيدي المسلمين.
{أَنْزَلْنَاهُ} يعني: هذا الكتاب أنزلناه من عندنا ومن كلامنا، وصيغة الجمع للتعظيم، وجملة الفعل وفاعله في {أَنْزَلْنَاهُ} في محل النعت للكتاب (¬2)؛ لأن النكرات تُنعت بالجُمل، كما هو معروف (¬3)، و (مبارك) نعت آخر (¬4)، والأصل أن يُقدم النعت بالمفرد ثُمَّ بشبه الجملة ثم بنفس الجملة كما في قوله: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ
¬_________
(¬1) السابق.
(¬2) انظر: البحر المحيط (4/ 256)، الدر المصون (5/ 229).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (48) من سورة البقرة.
(¬4) انظر: البحر المحيط (4/ 256)، الدر المصون (5/ 229).

الصفحة 530