كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لأنه كلام رب العالمين، إذا قرأه الإنسان وتدبَّر معانيه ففي كل حرف عشر حسنات في القراءة، وإذا تدَبَّر معانيه عرف منها العقائد التي هي الحق، وعرف أصول الحلال والحرام، ومكارم الأخلاق، وأهل الجنة وأهل النار، وما يصير إليه الإنسان بعد الموت، وما يسبب له النعيم الأبدي، وما يسبب له العذاب الأبدي، فكله خيرات وبركات؛ لأنه نور ينير الطريق التي تميز بين الحسن من القبيح، والنافع من الضار، والباطل من الحق، فهو كله خيرات وبركات، من عمل به غمرته الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، وأصلح له الله الدارين.
ومن غرائب الأشياء وعجائبها أن أكثر أهل المعمورة ممن يؤمنون بأنه كلام الله الذي أنزله على رسوله يطلبون الهدى في غيره، ويطلبون التشاريع والتحليلات والتحريمات من غيره! فهذا من الغرائب! إذ كيف يعدل عاقل عن كلام خالق السماوات والأرض؟ فهو النور المبين، والحبل المتين الذي بينه سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - بسنته الصحيحة، يعدل عن هذا زاعمًا أنه ليس بصالح لهذا الوقت، وأن الحياة تطورت بعد نزوله تطوراً لا يلائم هذا القرآن! ومن أنزل القرآن عالمٌ بما يحدث من التطورات، وما يكون، فجعل القرآن ديناً خالداً لا ينسخه دين، باقٍ إلى يوم القيامة، وهو عالم بما ينزل وما يحدث في الدنيا، بل لو عملت الدنيا أجمعها بهذا الكتاب الكريم لأزال جميع مشاكلها، وأزال عنها كل ضرر، ونظّم علاقات حياتها على الوجوه الكاملة، وأراها الطريق الواضحة التي تحصل بها على خير الدنيا والآخرة، وهو دائماً يحث على التقدم والرُّقِيّ في جميع ميادين الحياة؛ لأنه كلام ربِ العالمين.

الصفحة 532