كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

القرآن يحث الإنسان على أن يُعْطِي جسده حظه، وأن يعطي روحه حظها (¬1). وإذا قرأ الإنسان القرآن فهم كيف يدعو الإنسانَ إلى الجَدِّ والكَدْحِ في هذه الحياة الدنيا، وإلى طاعة خالق هذا الكون، ونَحْنُ نُقَرِّرُ في المناسبات وفي الدروس دائماً أن هذا الحيوان الذي هو الإنسان، أنه حيوان مركب من جوهرين مختلفين بالذات اختلافاً جَذْرِيّاً حقيقيّاً، وأَصْلَاه اللَّذان تَرَكَّبَ منهما متنافيان كل التنافي -أعني بهما روحه وجسده- فحقيقة الروح من العالم العلوي، والجسد من العالم السفلي، وبين الروح والجسد تَبَايُن وتنافٍ تام بالجوهر والعنصر وجميع الصفات، والله رَكَّبَ الإنسان منهما، فالروح وَحْدَه ليس بإنسان، والجسد وحده ليس بإنسان، وإنما هو حيوان مركب منهما، ومعلوم أن الروحَ له متطلبات لا تكفي عنها متطلبات الجسم، وأن الجسم له متطلبات لا تكفي عنها متطلبات الروح، فللجسم متطلبات لا بد منها، كالقوة الجسمية، والله (جلّ وعلا) يحث على هذا كل الحث؛ لأن من أعظم أنواع تربية القوة الجسمية هو إعداد القوة الكافية، والوحدة حولها وحدةٌ حقيقية صحيحة، والله يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: آية 60] فهذه الآية الكريمة بظاهرها تساير التطور مهما بلغ التطور من أنواع القوة؛ لأن الله يأمر بإعداد كل ما يدخل في طاقة الإنسان من إعداد القوة لِيَتَقَوَّى بها المسلمون، ويردوا بها الهجوم المسلّح، ويحافظوا بها على بيضة الإسلام، فهذا مِنْ أَعْظَمِ الأمر بأسباب القوة، وكذلك يأمر بالاجتماع؛ لأن البلايا كلها من المخايلات وعدم اتحاد القلوب، واختلاف القلوب وتباغضها، وهذا هو السبب
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (115) من سورة الأنعام.

الصفحة 533