كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الأكبر للضعف، وهو السبب الذي يدخل منه العدو فيضرب بعضهم ببعض، ويبقون -مثلًا- لأن المختلفين لا ينجحون؛ ولهذا يقول الله في محكم كتابه: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: آية 46] ويقول (جل وعلا): {وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: آية 103] ويحض على الاجتماع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة، وقد بيّنَ القرآن في سورة الحشر أن اختلاف
القلوب ومعاداة البعض للبعض منشؤه إنما يكون من ضعف العقول، كما قال في قوم: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: آية 14] ثم كأن قائلاً قال: ما الموجب الذي صيّر قلوبهم شتى وهم أمة واحدة متفقة في الأهداف والأغراض، ما الموجب الذي صيّر قلوبهم شتى؛ أي: مختلفة متنافرة؟! فبيّن العِلة فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} وليس المراد هنا نفي العقل من أصله، والمعنى: (أنهم لا يعقلون) نفي كمال العقل، يعني: أن عقولهم ليست ناضجة كما ينبغي، أمّا هم في الحقيقة فمن جملة العقلاء، وهذا يدل على أن هذه الفِرَق -التي تدّعي الإسلام- المختلفة، التي يبغض بعضها بعضاً، وإن تجاملت في ظاهر الأمر، أن سبب ذلك إنما هو ضعف العقول في بعضها، وقد يكون المختلفان أحدهما عنده عقل كامل، يدعو إلى الطريق المستقيم بعقله المستقيم، والآخر ضعيف العقل، يَفِرّ من تلك الطريق ويخالف، فهذا من ضعف العقل، وقد بيّنَّا في هذه السورة الكريمة أن ضعفَ العقول وموتها علاجه القرآن؛ لأنه يصير به الميت حيّاً، ويصير به الذي كان في الظلام في النور {أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: آية 122] فبيّن أن اتباع القرآن حياة بعد الموت، ونور بعد الظلام؛ لأن تشريع خالق

الصفحة 534