كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

السماوات والأرض ينوّر الأفكار ويضيء الطريق، ويدل الخلق على ما هم عاجزون عليه من مصالحهم، ولا شك أن هؤلاء الذين يعدلون عن القرآن، والله يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: آية 153] ويسميه النور الذي يضيء، فيرى في ضوئه كل حق وكل باطل وكل حسن وكل قبيح وكل نافع وكل ضار؛ ولذا كثيراً ما يطلق على القرآن اسم النور، كما قال: {وَاتَّبِعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: آية 157]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً (174)} [النساء: آية 174] {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} [التغابن: آية 8] {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء} [الشورى: آية
52]، فالآيات المصرحة بأن هذا الكتاب نور، والنور هو الذي يُرى في ضوئه الحق حقّاً والباطل باطلاً والنافع نافعاً، إلى آخره، فالذين يعدلون عن هذا النور -الذي هو كلام رب العالمين، المبيّن بسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - زاعماً أن هذا لا هدى فيه، ويطلب الهدى في نُظُمٍ وَضْعِيَّة ألَّفَهَا خُبَثاء كفرة فجرة خنازير أبناء خنازير، أن هذا من طمس البصائر الذي يُؤسَف له ويُبكي العيون -والعياذ بالله- والحق الذي لا شك فيه أن الذي سَبَّبَ هَذَا إنَّمَا هو طمس البصائر؛ لأن البصيرة إذا ضعفت جدّاً كانت لا تتحمل النور العظيم، والنور العظيم يقضي على ذي البصر الضعيف {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: آية 20] فالذين يعدلون عن كتاب الله إلى نظم وضعية زَاعِمين أنها أحسن منه، وأبلغ في تنظيم الحياة في جميع ميادينها، فهم في الحقيقة بالحرف الواحد والكلام المطابق: خفافيش البصائر، أعماهم نور القرآن كما تعمي الشمس الخفافيش:

الصفحة 535