كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

خَفَافيشُ أَعْمَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ ... وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِمُ (¬1)

مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى ... نُوراً وَيُعْمِي أَعْيُنَ الخُفَّاشِ (¬2)

والدليل على هذا أن الله بيّن أن الذي لا يعلم أحقية القرآن، أن الذي منعه من ذلك عَمَاه، مع وضوح دلالة القرآن، قال: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: آية 19] فبيّن أن الذي منعه أن يعلم أنه الحق إنما منعه عَمَاه (¬3).
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ ... فَلَا غَرْوَ أَنْ يَرْتَابَ وَالصُّبْحُ مُسْفِرُ
فلو حاولت أن تُري الشمس للأعمى لا تستطيع، فنور القرآن أعظم من نور الشموس، والذين يطلبون الهدى في غيره أضعف بصائر من الخفافيش، فمن هذا جاءت البلية، فعلينا جميعاً أن نعرف أن القرآن نور الله المبين وحبله المتين، المعتصم به ظافر؛ والمحتج به غالب، لا يخذل من تمسك به أبداً؛ لأنه كلام الله، ولذا قال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: آية 155] أي: ولا تتبعوا غيره من السبل الزائغة الضالة.
ومعنى {فَاتَّبِعُوهُ}: أحِلوا حلاله، وحرموا حرامه، واعتقدوا عقائده، واعتبروا بأمثاله، وعاملوا أعداءكم بما فيه من الحِكَم؛ لأن القرآن يوضح جميع المرافق الحيوية من جميع مرافقها، وقد بيّناه مراراً، وسنضرب لذلك مثلاً بسيطاً؛ لأنه معروف أن جميع المصالح في الكتب السماوية، أنها تدور حول ثلاث، هي: دفع الضرر،
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (128) من هذه السورة.
(¬2) السابق.
(¬3) السابق.

الصفحة 536