كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

المعروف بدرء المفاسد، الذي يُقال له في الأصول: (الضروريَّات)، وجلب المصالح، المسمى في الأصول بـ (الحاجيات)، والجري على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات. فجميع الشرائع السماوية إنما تدور حول هذه المصالح الثلاث؛ إمّا أن يتضمن التشريع نفي ضرر وإبعاد مفسدة، أو جلب مصلحة، أو جرياً على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات.
وإذا نظرنا في كتاب الله وجدنا فيه العَجَبَ العُجَابَ الذي يبهر العقول من المحافظة على هذه المصالح، ولو تكلمنا على هذا لما وسع الوقت شيئاً قليلًا منه، ولكن نضرب بعض الأمثال فنقول مثلاً: أطبق عامة العقلاء أن المظالم التي تتظالم بها الناس في دار الدنيا، ويكون بعضهم ظالماً بعضاً ومعتدياً على حق بعض، أنها هي السِّتُّ المعروفة بالضروريَّات: ستة أشياء (¬1)، وهي:
أولها: الدين: والعدوان على الدين مِنْ أعْظَم الجَنَايات وأكبرها، ومن ذلك أن تكون أولاد المسلمين على الفطرة الصحيحة، وهم في غاية الاستعداد لقبول ما كان عليه آباؤهم من الدين والصلاح، فيأتيهم قوم فيجعلون لهم مدارس يعلمونهم فيها العقائد الزائفة والإلحاد والفِكَر الهدامة، فيضيّعون دينهم، فهذا ظلم وعدوان على الدين، وهو من أعظم المظالم وأشنعها. هذا واحد من الستة: الدين.
الثاني: النفس: وهو الإنسان الذي يعدو على الإنسان فيقتله ويُذهِبَ نفسه.
الثالث: العقل: ومن يعدو على الإنسان فيضيّع عقله.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (115) من سورة الأنعام.

الصفحة 537