كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

آية 103] أي: لاَ تُدْرِكُهُ في دارِ الدنيا (¬1)، بدليلِ قولِه: في الآخرةِ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: الآيتان 22، 23]. فلما قَيَّدَ نظرَها إلى رَبِّهَا بقولِه: {يَوْمَئِذٍ} أي: يومَ القيامةِ، عَرَفْنَا أن ذلك النظرَ مقيدٌ بالقيامةِ، وأَنَّ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} أي: في دارِ الدنيا.
وقال بعضُ العلماءِ: لو سَلَّمْنَا ما يقولُه المعتزلةُ من أن الإدراكَ: الرؤيةُ، وأن الآيةَ عامةٌ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} فعمومُها تُخَصِّصُهُ آياتٌ أُخَرُ بيومِ القيامةِ (¬2): {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: الآيتان 22، 23] وقولُه: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: آية 15] أي: بخلافِ المؤمنين فليسوا بمحجوبينَ عن رَبِّهِمْ.
وقد تَقَرَّرَ في الأصولِ أن المفهومَ يُخَصِّصُ العَامَّ (¬3)، سواءً كان مفهومَ موافقةٍ، أو مفهومَ مخالفةٍ. فمثالُ تخصيصِ العامِّ بمفهومِ الموافقةِ (¬4):
قولُه - صلى الله عليه وسلم - «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» (¬5)
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 18 - 19).
(¬2) انظر: ابن جرير (12/ 19).
(¬3) انظر: الفقيه والمتفقه (1/ 112)، روضة الناظر (2/ 167)، شرح مختصر الروضة (2/ 568)، شرح الكوكب المنير (3/ 366 - 368)، نهاية السول (2/ 174)، الفتاوى (31/ 105 - 110) أضواء البيان (5/ 560).
(¬4) انظر: شرح الكوكب (3/ 366).
(¬5) الحديث بهذا اللفظ أخرجه أحمد (4/ 222، 388، 389)، وأبو داود في الأقضية، باب في الدَّين هل يُحبس به؟ حديث رقم: (3611)، (10/ 56)، والنسائي، كتاب البيوع، باب مطل الغني، حديث رقم: (4689، 4690)، (7/ 316) وابن ماجه، كتاب الصدقات؛ باب الحبس في الدّين، حديث رقم: (2427)، (2/ 811) والحاكم (4/ 102) وصححه ووافقه الذهبي. وانظر الإرواء رقم: (1434)، وصحيح ابن ماجه رقم: (1970)، صحيح النسائي رقم: (4372، 4373) صحيح أبي داود رقم: (3086)، المشكاة رقم: (2919). وهو من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه (رضي الله عنه).

الصفحة 54