كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

أنساب المجتمع غاية المحافظة؛ ولذا حرم الزنا خَوْفَ أن يختلط ماء رجل بماء امرأة، وخَوفَ أن تحمل النساء من رجال غير معروفين، فتبقى الأولاد لا آباء لهم، فتضيع أنسابهم؛ ولأجل محافظته على الأنساب أوجب العدة، عندما يحصل فراق بموت أو طلاق يجب على المرأة العِدة، بأن تمكث عدة معينة {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: آية 228] وقوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: آية 4] بالغ في الصيانة حتى ألزم العدة للتي لا تحيض؛ مبالغةً في الصيانة جدّاً، حتى إنه من شدة محافظته على [الأنساب] (¬1) منع سقي الزرع بماء غيره؛ ولذا منع تزويج المرأة الحامل؛ لأن الرجل إذا تزوج امرأةً حاملاً كان يسقي بوطئه لها -كان ماؤه يسقي- ذلك الزرع الذي كان في بطنها قبله، فسقي الزرع بماء الغير كأن الولد يكون فيه حظ لهذا وحظ لهذا، فمنع سقي الزرع بماء الغير؛ حياطةً للأنساب، كما قال: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: آية 4].
وإذا نظرنا العقول فلا نجد نظامًا يحافظ على العقل مثل نظام القرآن العظيم؛ ولذا حرّم شرب كل مُسكِر، كل شيء يضيع العقل حرَّم تعاطيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: آية 90] وأوجب الحد في شرب الخمر محافظةً على عقول المجتمع.
وكذلك الأعراض، منع القرآن وقوع المسلم في عرض أخيه،
¬_________
(¬1) في الأصل: «العقول» وهذا سبق لسان.

الصفحة 540