كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

قال: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} [الحجرات: آية 12] {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: آية 11] إلى غير ذلك من الآيات، ثم بيّن للإنسان خبث عرض أخيه وقال له: كأنك إن أكلت عرض أخيك فأكلت لحمه، ووقعت في عرضه كأنك أكلته ميتاً بعد أن أنتن، وصار فيه الدود، وصرت تبتلع لحمه، في قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: آية 12] وهذا غاية التقبيح من الوقوع في أعراض الناس، والكلام فيهم بالغيبة، ثم إن الله جعل حدّ القذف ثمانين جلدة، حفاظاً على أعراض الناس {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: الآيتان 4، 5] كل هذا محافَظَةً على أعْرَاضِ النَّاس.
وأوْجَبَ حَدَّ السَّرِقَةِ؛ محافظة على أموال المجتمع.
ونحن نذكر مرارًا (¬1) أن الذين طمس الله بصائرهم، ونظروا إلى التشريع السماوي بنظرة غير صحيحة، وصوّره لهم أعداء الدين بصورة مشوهة غير حقيقية، يزعمون أن قطع اليد أنه عمل وحشي، وأنه لا ينبغي أن يكون في النظم التي يُعامل بها الإنسان، وهو عمل عدالة اجتماعية من أحسن الأعمال في العدالات الاجتماعية، ومن أحسن الأعمال في الآداب الروحية أيضاً، فهو عمل جامع بين الجسم والبدن؛ ذلك أن الله خلق هذه اليد وفرق أصابعها وأبعد إبهامها من سبابتها، فلو كان الإبهام موضوعاً بقرب السبابة كقرب الوسطى منها لما قدر أن يعقد شيئاً ولا أن يحل شيئاً. وشدّ له رؤوس أصابعه
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (128) من سورة الأنعام.

الصفحة 541