كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بالأظفار؛ لتكون هذه اليد خير أداة عاملة لبناء المجتمع، والمعاونة على الخير {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: آية 2] فلمّا مدت أناملها الخائنة الخسيسة الخائسة لتأخذ مال الغير على أقبح وجه وأردئِه وأخسه كانت هذه اليد في نظر الشارع الذي خلقها كأنها نجسة، فنجست هذا العضو بقذارتها وقذارة خستها وفعلها، فأمر الشارع بإزالتها كعملية تطهيرية، كعضو فاسد يفسد جميع البدن وينتنه، فهي عملية تطهيرية لإزالة عضو منتن فاسد؛ ليصح بقية البدن ويطهر؛ ولذا ثبت في حديث عبادة بن الصامت الثابت في الصحيحين (¬1) ما يؤيد أنه إن أُقيم عليه الحد وقُطعت يده أن ذلك يطهِّره من تلك الخسيسة، فتطهر بقية البدن، مع أن المال هو شريان الحياة الذي به إقامة كل شيء؛ إذ لا عسكرية إلا بالمال، ولا اجتماع إلا بالمال، ولا ثقافة إلا بالمال، فهو شريان الحياة وأساس حجرها الأساسي الذي يَتَرَكَّز عليه كل شيء من مرافق الحياة.
والسرقة أخذه على وجه خبيث خسيس يعسر التحرز منه؛ لأن السارق ينظر الغفلاتِ، وأوقات الخلوات التي لا يُطَّلع عليه فيها غالبًا، فلو تركناه ولم نردعه ردعاً بالغاً لأمكن لليد السارقة الواحدة أن تبطل ملايين الأيدي، فتترك ملايين الأيدي عاطلة! فكيف نترك يداً واحدة تعيث وتفسد آلاف الملايين من الأيادي؟! فبقطعها يطهر بقية البدن، فيغفر الله للإنسان تلك الخسيسة، فيطهر من ذلك التنجيس والتقذير المعنوي، ثم إنه بعد ذلك ينزجر السفهاء عن سرقة أموال الناس، فتكون عدالةً اجتماعية، وتطهيراً سماويّاً من ذنب الخبيث، وهذه حكمة بالغة. فمعروف أن قطع السرقة فيه سؤال معروف، وهو أن
¬_________
(¬1) السابق.

الصفحة 542