كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الجنايات على المال أنواعها كثيرة، كأن يغصبه من إنسان أو يختطفه أو يتعدى عليه بعدوان غير السرقة، والله ما جعل القطع بِنَوْعٍ مِنَ العُدْوَان على المال إلّا في النوع الواحد الذي هو السرقة، فَمَنْ غَصَبَ مَالَ إِنْسَان مكابرة لا تُقطع يده، والعلماء أجابوا عن هذا (¬1): بأن العدوان على المال بالأوجه غير السرقة أنه غالباً يكون ظاهراً لا يخلو من أن يجد عليه بيّنة تشهد له عند ولي الأمر، فيردع وليُّ الأمر الظالم، ويرد للمظلوم حقه.
أما السرقة فلا تكاد توجد عليها البَيِّنَة؛ لأن السارق يتحرى أوقات الغَفَلَات، وأوقات الخفاء الذي لا يطلِع عليها أحد، ولا توجد عليها بيّنة، فجعل الشارع الحد فيها أقوى وأجدى وأغلظ، لتبقى للمسلمين أموالهم، وليطهّر السارق أيضاً من رذيلته، وأمثال هذا كثيرة، فهذا هَدْيُ القرآن ومحافظته على الحقوق، ومساواته بين الناس في الحقوق، إذا قتل أكبرُ رجل أصغر رجل يُقتل به، وهو يساوي بين الناس في حقوقهم؛ فاتباع نظام السماء إذا اتبعوه انتشرت بينهم المؤاخاة والمحبة الصادقة، والعدالة الاجتماعية بمعناها الصحيح، والموادّة والمحبة والإنصاف، وإذا اعتدى بعضهم على بعض فالعمل السماوي النازل من عند الله (جل وعلا) في الردع عن ذلك الفعل هو أعظم الأشياء وأوقعها موقعها، ولكن من أعماه الله فلا مبصِّر له، من يُضِله الله فلا هادي له.
وعلى كل حال فالهدى كل الهدى في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والقرآن كفيل بتنظيم الحياة بجميع أنواعها، بتنظيم حياة الرجل في نفسه، وما يأمره أن يكون عليه من الصفات الكريمة؛ من عدم الغش
¬_________
(¬1) راجع ما تقدم عند تفسير الآية (128) من سورة الأنعام.

الصفحة 543