كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وعدم الخيانة، ومن السخاء والتضحية والمعاونة والشجاعة والصبر والشكر ... إلى غير ذلك من أوصاف النفوس الحميدة، والنهي عن الأوصاف الخبيثة؛ كالعجب والرياء والحسد والكبر، وما جرى مجرى ذلك، فيأمره كيف يعامل زَوْجَهُ وأوْلَادَهُ أكمل معاملة، وَمِنْ أَوْضَحِ ذَلِكَ أنه يحذره أولاً من ضرِّهم؛ لأن أولاده وزوجته قد يضيعون دينه، والله يقول: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ} [المنافقون: آية 9] فإن الأولاد قد يحملون الرجل على بعض المخالفات، والمرأة قد يحمله خاطرها على بعض المخالفات، والله يقول: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: آية 14] فيأمرهم بالحذر أولاً من أن يوقعوهم فيما لا ينبغي، ثم إن الله يعلم أنه لا بد أن يقع منهم شيء يسوء الرجل، فبعد ذلك يأمره بالصفح والعفو عنهم، ويحذره أولاً منهم، ثم يأمره بعد الوقوع بالمعاملة الحسنة معهم: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
[23/ب] / أي: وإن وجدتم ما لا يليق فقابلوهم بالصفح والعفو والرحمة، يأمر أولاً بالحذر خوفاً منهم، وثانياً بمعاملتهم بالإحسان إذا وقع منهم بعض الشيء.
ويأمرنا بما نعامل به الأعداء، وما نعامل به الإخوان، يقول: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح: آية 29] فالمسلم رحيم بالمسلم، شديد على عدو المسلم، وقال (جل وعلا): {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: آية 54] فيبيّن أن صفات المسلم أن يكون ليناً هيّناً على أخيه المسلم، وأن يكون غليظاً فظّاً على أعدائه؛ ولذا يقول للنبي

الصفحة 544