كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عسكري قوي، وفي هذا الوقت بعينه يقول: {وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} فعاملوا الأعداء في الدنيا بالقوة والغلظة بجميع أنواعها، ولا تقطعوا صلتكم بمن خلقكم لتأكيد حظ أجسادكم وحظ أرواحكم، ومَنْ أَخَلَّ بِأَحَدِ الطرفين ظهر فيه ما ظهر، الآن (¬1) الكفرة كالكتلة الشرقية والغربية نجحوا في خدمة الإنسان من حيث كونه حيواناً جسديّاً، وأنتجوا من القوة المادية والتنظيمية ما كان لا يدخل في حسبان أحد حتى في النوم، ولكنهم أفلسوا كل الإفلاس في الناحية الرّوحية؛ لأن أرواحهم خبيثة كأرواح البهائم والسباع، ليست مُرَبَّاةً على ضوء نورٍ سماوي، ولا تعليم إلهي، فصارت هذه القوة الطاغية كأنها في يَدِ سَفِيهٍ جَاهِل لا يدري ماذا يفعل بها؛ ولذا تجد العالم كله في قلق مِنْ أَنْ تَنْفَجِرَ هَذِهِ القوة وتُفني كثيراً من الدنيا، وتراهم يعقدون المؤتمر بعد المؤتمر، والمجلس بعد المجلس ليتخلصوا من تلك القوة التي بذلوا فيها النفس والنفيس.
وأنا أؤكد لكم تماماً أنه لو كان أحد الطرفين يعلم أنه لو بادر فَدَمَّرَ ما عنده من القوة الفَتَّاكَة لفعل الثاني كما فعل، إنهم يبادرون ليتخلصوا من شَرها وخوفها والقلق بها، ولكن الكل يخاف إن بدأ بإتلاف ما عنده أن يحتفظ الثاني بالقوة التي عنده ويهلكه بها، في الوقت الذي ليس عنده قوة تدافعها، كل هذا إنما جاءهم من أنهم أهملوا ناحية الروح، واعتنوا بناحية الجسد.
والاهتمام بناحية الجسد لا ينفع ولا يصلح إلا إذا كان مزدوجاً مع الاهتمام بالروح، فلو كانت الأيادي التي صنعت هذه القوة مُرَبَّاة تربية سماوية على ضوء نور إلهي لكانت في غاية العدالة، وكان الناس في أمن تام أنهم لا يبطشون بها
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (115) من سورة الأنعام.

الصفحة 546