كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

إلا في أمر يرضي الله ويكون في مصلحة العَالَمِ البَشَرِي؛ ولذا فهم كأنياب الأسد وأظفاره، أنياب الأسد وأظفاره قوة حيوانية بهيمية فتاكة، ولكن النفس التي تديرها نفس بهيمية طبيعتها الافتراس والابتزاز والهدم، فلا مصلحة بها لبني الدنيا؛ لأن الذي يديرها يوجهها توجيهاً لا فائدة فيه، كذلك المسلمون عندهم تراث عظيم روحي، ضيعوا هذا التراث!
وكان الواجب على المسلمين أن يفهموا أن ما أنتجته الحضارة الغربية من خدمة جسم الإنسان أن فيه أشياء نافعة عظيمة يجب أخذها، وهو ما أنتجته من القوة من الناحية المادية والتنظيم، وأن فيها أضراراً عظيمة وسموماً قاتلة، وهي ما أحدثته من الإفلاس الخُلُقي والتمرد على نظام السماء، والكفر الصريح، والانْحِطَاط الخلقي في جميع ميادين الأخلاق والقيم الإنسانية الرّوحية، فهم مُفْلِسون في هذه الناحية، أغنياء في هذه الناحية، فكان على المسلم أن يعلم أن الحضارة الغربية أنتجت ماءً زلالاً نافعاً، وسمّاً فتاكاً قاتلاً، فيأخذ الماء الزلال، ويحذر من السمّ القاتل، فينتفع بتعلم ما أحدثته من القوة في سائر الميادين، وفي ذلك يأمر القرآن، ويحذر مما جَنَتْهُ من التمرد على نظام السماء، حتى إن بعض الكاتبين منهم لينفون خالق السماوات! وبعض طرقهم الهدامة مبناها على أنه لا خالق لهذا الكون ولا دين والعياذ بالله.
والمؤسف كل الأسف أن أغلب من يديرون الدفة -إلا من شاء الله- غالباً يعكسون الأمر فيأخذون من الحضارة سُمّها الفتاك، وهي الانحطاط الخلقي، والتمرد على نظام السماء، ورمي القرآن وراء ظهورهم، في الوقت الذي لا يستفيدون فيه قوة.

الصفحة 547