كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

مَا أَحْسَنَ الدِّينَ وَالدُّنْيَا إِذَا اجْتَمَعَا ... وَأَقْبَحَ الْكُفْرَ وَالْإِفْلَاسَ بِالرَّجُلِ (¬1)
فعلينا أن نعلم أنه لا يكفي نصيب الروح دون نصيب الجَسد، ولا نصيب الجسد دون نصيب الروح، فلو بقي المسلمون في المساجد يصومون النهار، ويقومون الليل، ويتلون القرآن، ويعبدون الله، ولم يزاولوا شيئاً من القوة التي يردون بها الكفاح المسلح عن أوطانهم، كانوا لم يأتوا بمدلول القرآن ولم يطيعوا الله؛ لأن التكاسل والضعف وعدم إعداد القوة مخالفة للشرع السماوي، وتمرّد على نظام السماء، وكذلك الذين أعدوا جميع القوة، وخالفوا أوامر خالق السماء، فالكل من هؤلاء وهؤلاء ليس على هدى، والهدى ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهو إعداد القوة الكاملة في جميع الميادين، مع المحافظة على إرضاء خالق هذا الكون، والعمل بما شرّعه من تحليل وتحريم وآداب ونحو ذلك؛ ولذا قال الله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} يعني: اتبعوا ما فيه [من الهدى والرشاد، فإنكم لو فعلتم ذلك ... ] (¬2) لَكَفَاكُمْ شَرَّ الدنيا وشر الآخرة، ولكنتم خير أمة وفقتم جميع البَشَر، وغلبتم جميع مَنْ فِي الدنيا؛ لأن من أطاع الله صار حِزْبَ الله، وحزب الله لا يُغلب، وطاعة الله والتمسك بكتابه هي جند لا يُغلب، فالله (جل وعلا) يأمر المؤمنين بالاستعداد، مع أن إيمانهم بالله قوة لا يغلبها شَيْء.
فنحن نعطيكم أمثلة قرآنية تدلكم على ذلك: ألا تعلمون غزوة الأحزاب، المعروفة بغزوة الخندق، التي قَصَّها الله في سورة الأحزاب، أن المسلمين كانوا في قلة عدد وفي جوع وفي ضيق
¬_________
(¬1) البيت لأبي العتاهية، وهو في ديوانه ص 174.
(¬2) في هذا الموضع انقطع التسجيل، وما بين المعقوفين [] زياد يتم بها الكلام.

الصفحة 548