كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

كانت قدرتكم ضعيفة فقدرته ليست بضعيفة، فهو قويّ قادر لا يُغْلَب، ولا يُغلب من كان حزبه حقّاً.
ولما علم الله مِنَ الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة الحديبية عَلِمَ مِنْ قلوبهم الإخلاص والإيمان الكامل، وَنَوَّه به بالاسم المبهم -الذي هو الموصول- بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: آية 18] يعني: إخلاصاً وإيماناً كما ينبغي، فكان من نتائج ذلك الإخلاص والإيمان التام بالله أن قال: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} فصرّح بأن إمكانياتهم العَدَدية والعُددية لا تقدرهم عليها، قال: {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا}؛ لأنه القادر، فأقدركم عليها بقدرته {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الفتح: آية 21]، فالمسلمون إذا استمسكوا بالدين غلبوا الأعداء، وهذا الذي ذكر الله يوم الخندق شيء ما كان في حسبانهم، وما كانوا يظنونه، فهو أمر إلهي من الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: آية 9] فالمسلمون إذا تمسكوا بالدين كما ينبغي، فالقرآن يأمرهم بإعداد القوة الكاملة، ولو باغتهم العدو قبل أن يستعدوا العدة الكاملة و ( ... ) (¬1) للكفاح، فالنصر يأتي من السماء من حيث لا يَدْرُون، فَقَدْ يُسَلِّطُ الله على العدو الطاعون فيهلكه، وقد يسلط عليه عدوّاً آخر فيهلكه، وقد يخالف قلوب بعضه فيضرب بعضه بعضاً، والنصر يأتي من الله من الوجوه التي لا يعرفونها.
فالحاصل: أن القرآن لا يأمر بالتكاسُلِ والتواكل، بل إنما يأمر
¬_________
(¬1) في هذا الموضع كلمة غير واضحة والمعنى مستقيم بدونها.

الصفحة 550