كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بالقوة والاستعداد لكل هجوم، والمتمسك به أيضاً لو بُوغِتَ قبل أن يستعد، أو في حالة ضعف فإن الله يُقَوِّيهِ ويَنْصُره على عدوه بالطرق التي يعلمها هو وحده، وإن لم تكن في حسبان المسلمين، كما نصر أهلَ الأحزاب -النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه- بالريح وبجنود لم تَرَوْهَا نصرهم بالريح، كلما نصبوا خِباءً في البر نسفته الريح، وكلما وضعوا قدراً ليطبخوا فيه نسفته الريح، فبقوا مثلاً لا قرار لهم، لا كِنَّ يكنهم، ولا طعام يأكلونه، فاضطروا للفرار، حتى قال رئيسهم أبو سفيان بن حرب: ارتحلوا وأنا أول مرتحل.
وكان حذيفة بن اليمان العبسي (رضي الله عنه) معهم في ذلك الوقت عيناً من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكروا عنه في السيرة أن أبا سفيان ركب على بعيره وهو معقول، قال: وأنا الذي فتحت عقال البعير، ولو لم يأمرني النبيّ بأني لا أُحْدِث شَيْئاً لكنْتُ قَتَلْتُ أَبَا سُفْيَان في ذلك الوقت (¬1).
هذا دين الإسلام، وهذا شأن المتمَسِّكِينَ به، أما الذين ينصرفون عنه ويَتْرَكونه محتقرين إياه، زاعمين أنه لا ينظِّم الحياة، وأن الحياة تطورت، وأن تنظيم علاقات الدنيا يحتاج إلى أمور جديدة، كما يرتبه الكفرة الفجرة، هؤلاء عُمي البصائر، خفافيش البصائر، وإن سموا أنفسهم مسلمين، فالنصر لا يأتيهم من عند الله؛
¬_________
(¬1) أصل الخبر في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، حديث رقم (1788)، (3/ 1414)، وانظر: السيرة لابن هشام ص 1043 - 1044، وما ذكره الشيخ (رحمه الله) هنا من أن حذيفة (رضي الله عنه) هو الذي حل عقال بعير أبي سفيان، لم أقف عليه في شيء من المصادر التي رجعت إليها.

الصفحة 551