كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لأن الله ميّز الذين وعدهم بالنصر، ميّزهم بصفاتهم الكاشفة، قال في الذين وعدهم بالنصر، ميّزهم في سورة الحشر تمييزاً كاشفاً: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} من هم الذين وعدهم الله بالنصر؟ {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج: الآيتان 40، 41] أما الذين إذا مكن لهم في الأرض غيروا معالم الدين، وضيّعوا الشرع، ووضعوا المذاهب الهَدَّامَة، وأضاعوا ما في الإسلام من أخلاق، وغَيَّرُوا مَعَالم الدين، وجاءوا بالفساد والطرق الملحدة المستوردة، هؤلاء ليس عندهم وعد من الله بنصير ألبتّة، ومثالهم مثال العامل الذي عاقده رَجُل ليعمل له فامتنع مِنْ أَنْ يَعْمَل، ثم لما جاء الوقت جاء لصاحب العمل، وقال: أعطني أجرتي. قال: كيف تطلب مني أجرتك وأنت لم تعمل شيئاً؟ أنت رجل مجنون!! فهؤلاء مثل هذا يعصون الله ويناصبونه بالعداء، ويغيِّرُون مَعَالِمَ دِينِهِ، ويتحاكمون إلى الطاغوت، ثم يقولون: نحن مؤمنون ينصرنا الله!! هذا جنون وهَوَسٌ وقلب للحقائق، فالمؤمنون الذين ينصرهم الله هم الذين إن مكنهم الله في الأرض أقاموا دينه وشرعه، وعملوا بنور كتابه، كما قال هنا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ} قال بعض العلماء: اتقوا تحريفه وحمله على غير معانيه، وقال بعض العلماء: اتقوا الله واجعلوا وقاية بينكم وبين سخطه وعذابه باتباع هذا القرآن العظيم (¬1)،
وعلى كل حال فمتبع القرآن مُتَّقٍ، فقوله: {وَاتَّقُواْ} كالعطف المؤكد لقوله: {فَاتَّبِعُوهُ}، وقوله: {لَعَلَّكُمْ
¬_________
(¬1) انظر ابن جرير (12/ 239)، القرطبي (7/ 143) ..

الصفحة 552