كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

تُرْحَمُونَ} اتبعوه لأجل أن يرحمكم الله، أي: اتبعوه راجين أن يرحمكم الله.
ثم إن كفار قريش كانت لهم حجة قَطَعَهَا الله تبارك وتعالى خصوصاً لكفار قريش: {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} [الأنعام: الآيتان 156، 157] هذا قطع لحجة كفار مكة، وإلقام لهم الحجر، يعني: هذا كتاب مبارك أنزلناه بلغتكم الواضحة الفصحى.
أنزلناه {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ} (أن) هنا: اختلف البصريون والكوفيون في المقدر قبلها (¬1)، فكان البصريون يُقدرونه مضافاً، يعني: أنزلنا عليكم هذا الكتاب بلغتكم كراهة أن تحتجوا حجة باطلة و {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} وكراهة أن تقولوا: {لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}، والكوفيون يقولون: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ} لئلا تقولوا كذا أو تقولوا كذا. فهو متعلق بـ {أَنزَلْنَاهُ} فـ (أن) متعلقة بـ {أَنزَلْنَا}، بعضهم يُقدِّر: (أنزلناه كراهة أن تقولوا كذا) وبعضهم يقول: (أنزلناه لئلا تقولوا كذا)، وهذا جارٍ في كل ما يماثله في القرآن، نحو {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: آية 176] أي: لئلا تضلّوا، أو كراهة أن تضلوا {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: آية 6]، كراهة أن تصيبوا، أو: لئلا تصيبوا، وهو كثير في القرآن، وبعض العلماء يقول: {أَنزَلْنَاهُ}: العامل فيه محذوف؛ لأن {أَنزَلْنَا}
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (12/ 239)، البحر المحيط (4/ 256 - 257)، الدر المصون (5/ 229).

الصفحة 553