كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بمعنى: أعْرَضَ، تقول: صدفت عن الأمر أصدف عنه، بمعنى: أعرضت عنه، ومنه قول الشاعر (¬1):
إِذَا ذَكَرْنَ كَلَاماً قُلْنَ أَحْسَنَهُ ... وَهُنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُفُ

أي: عن كل سوء معرضات، ومنه قول عبد الله بن رواحة أو غيره (¬2):
عَجِبْتُ لِلُطْفِ اللهِ فِينَا وَقَدْ بَدَا ... لَهُ صَدْفُنَا عَنْ كُلِّ وَحْيٍ مُنزَّلِ

أي: إعراضنا، وعليه فـ (صَدَفَ) لازمة، بمعنى: أعرض، وتستعمل (صدف) متعدية، تقول: صدف زيدٌ عمراً؛ أي: صدّه عن طريقه، وجعله معرضاً عنها.
واختلف العلماء في (صدف) هنا، هل هي متعدية محذوفة المفعول؟ وهو قول السُدّي (¬3)، وهو الظاهر؛ لأنه يكون جامعاً بين الضلال والإضلال.
{كَذَّبَ بِآيَاتِ} أي: كفر هو بنفسه، وصدف الناس؛ أي: صدَّ الناس عن الإيمان بها، فهو جامع بين الضَّلَالِ والإِضْلَالِ، وعَلَى هذا القول لو قلنا: إن (صدف) لازمة، تتكرر مع قوله: {كَذَّبَ بِآيَاتِ} لأن المكذب بآيات الله صادف عنها، فيكون تكراراً، وروي عن ابن عباس أن (صدف) هنا لازمة (¬4)، أي: كذب بآياتنا وأعرض عنها، ووجهه: أنه كذب بها بلسانه وأعرض عنها
¬_________
(¬1) البيت لابن الرقاع، ولفظه في المصادر التي وقفت عليها، ومنها: أضواء البيان: «إذا ذكرن حديثاً». وقد مضى عند تفسير الآية (46) من هذه السورة.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (46) من هذه السورة.
(¬3) انظر: ابن جرير (12/ 244)، أضواء البيان (2/ 282).
(¬4) المصدران السابقان.

الصفحة 556