كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الحديثِ الآخَرِ: «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» (¬1) خُصِّصَ عمومُ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» بمفهومِ المخالفةِ في قولِه: «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ». أي: فمفهومُه: أن غيرَ السائمةِ لا زكاةَ فيها. فيُخَصَّصُ بهذا المفهومِ عمومُ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَلِذَا يُخَصَّصُ عمومُ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: آية 103] بمفهومِ: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: آية 15] أي: بخلافِ المؤمنين فليسوا مَحْجُوبِينَ عَنْ رَبِّهِمْ. وقد نَصَّ اللَّهُ على ذلك في قولِه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: الآيتان 22، 23] وقولُه: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: آية 26] ولاَ شَكَّ أن القرآنَ تُخَصِّصُهُ السُّنَّةُ، وأن السُّنَّةَ تخصصُ القرآنَ. فلو قُلْنَا: إن عمومَ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} عمومٌ عَامٌّ، بمعنَى: لا تَرَاهُ الأبصارُ. فإنه تُخَصِّصُهُ الأحاديثُ المتواترةُ عن النبيِّ أن المؤمنين يَرَوْنَهُ يومَ القيامةِ بأبصارِهم، وَدَلَّتْ عليه الآيةُ المذكورةُ كما هو مَعْرُوفٌ.
وتخصيصُ الكتابِ بالكتابِ والسنةِ مَعْرُوفٌ (¬2).
فمثالُ تخصيصِ القرآنِ بالقرآنِ: تخصيصُ قولِه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
¬_________
(¬1) قطعة من حديث أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم. حديث: (1454) (3/ 317).
(¬2) انظر: الفقيه والمتفقه (1/ 112)، المستصفى (2/ 102) فما بعدها، البحر المحيط للزركشي (3/ 361) فما بعدها، شرح الكوكب المنير (3/ 359) فما بعدها، الروضة (2/ 161)، شرح مختصر الروضة (2/ 558)، نهاية السول (2/ 163).

الصفحة 56