كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فبهذا يعلم أن إطلاق الكتاب مراداً به جنس الكتاب الصادق بالتوراة والإنجيل واضح لا إشكال فيه، وهذا معنى قوله: {إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} وقوله: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} بيّن أنهم كذبوا في هذه حيث قال: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ} [فاطر: الآيتان 42، 43] وقوله: {وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ} إلى أن قال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قِبَلاً} وفي الأخرى: {قُبُلاً} {مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ} [الأنعام: الآيات 109 - 111]، وبهاتين الآيتين قطع الله حجة كفار قريش.
يقول الله جل وعلا: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيهُمُ المَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)} [الأنعام: آية 158]، هذا استفهام معناه النفي، والمعنى: أن هؤلاء الكفار، والذين يكذبون بآيات الله ويصدفون عنها، يكذبون بها ويصدفون الناس عنها، ويحملونهم على الإعراض عنها، ما ينظرون، أي: ما ينتظرون؛ لأن معنى قوله هنا: {هَلْ يَنظُرُونَ} هل ينتظرون، والعرب تطلق (نظر) بمعنى: انتظر، والدليل عليه هنا أنه بيّنه في آخر الآية فقال: {قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ونظيره من كلام العرب، من إطلاق (نظر) وإرادة: (انتظر) قول امرئ القيس (1):

الصفحة 560