كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

خَليليَّ مُرَّا بي عَلَى أُمِّ جُنْدَبٍ ... لتُقْضَى لُبانَاتُ الفُؤَادِ المُعذَّبِ ...
فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِي سَاعَةً ... مِنَ الدَّهْرِ تَنْفَعُنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ

وقوله: «تنظراني» أي: تنتظراني، يعني: ما ينظر هؤلاء المكذبون إلّا إحدى الدواهي العِظام الآتية: {إِلَّا أَن تَأْتِيهُمُ المَلآئِكَةُ} جمهور المفسرين على أن المراد بإتيان الملائكة: إتيان الملائكة لقبض أرواحهم (1)؛ لأن ملك الموت الذي يقبض أرواح الناس له أعوان كثيرة يقبضون الروح. قال بعض العلماء: حتى يبلغوها الحلقوم فيأخذها ملك الموت (2). وقد قال جل وعلا: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: آية 61] فدل على أنها رسل متعددة أعوان ملك الموت؛ ولذا أسند التوفي لرسل متعددة {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} وأسنده مرة لملك الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: آية 11] وأسنده مرة لنفسه {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: آية 42] وإسناده لنفسه واضح؛ لأن كل شيء واقع بمشيئته، وإسناده لملك الموت؛ لأنه الملك الموكل بقبض الأرواح، وإسناده لرسل متعددة؛ لأن لملك الموت أعواناً كثيرة من الملائكة يقبضون معه الأرواح. قال بعض العلماء: ينزعونها إلى الحلقوم فيأخذها هو؛ أي: ملك الموت (3).
والمعنى: ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة فتقبض أرواحهم على الشقاء والكفر، فيخلدون في النار تخليداً مؤبَّداً.

الصفحة 561