كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

نفسي، ولا رواية عن زيد ولا عمرو، بل في ضوء نور المحكم المنزل، الذي هو آخر الكتب السماوية عهداً بالله، وهذا تعليم رب العالمين، وذلك الإيضاح السماوي في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11]، فاعلموا أيها الإخوان أن الإتيان بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} بعد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيه سرّ أعظم، ومغزى أكبر، وتعليم سماوي، لا يترك في الحق لبساً؛ لأن السمع والبصر صفتان هما أشد الصفات توغّلاً في التشبيه، فجميع الحيوانات تسمع وتبصر؛ ولذا جاء بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يعني: لا تتنطع يا عبدي، وتشبِّه صفتي بصفة مخلوقي، وتنفي عني سمعي وبصري، بدعوى أنك إن أثْبَتَّ لِي السمع والبصر شَبَّهْتَنِي بالحَمِير والآدميين وغيرهم من الحيوانات التي تبصر!!
لا يا عبدي، أثبت لي سمعي وبصري، ولكن لَاحِظْ في ذلك الإثبات قولي قبله متصلاً به: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11] فإثبات السمع والبصر على أساس نفي المماثلة.
فأول الآية الكريمة فيه النفي التام للتشبيه والتمثيل، وآخرها فيه الإيمان بالصفات من غير تكييف ولا تعطيل على أساس التنزيه عن التشبيه والتمثيل.
فعلينا أن نعمل بأول الآية، فننزه ربنا، وذلك هو الأساس، فإذا نزهناه عن مشابهة خلقه وحملنا أوصافه في القرآن والسنة على الأوجه الكريمة اللائقة، كان من السهل علينا أن نؤمن بالصفات؛ لأننا نؤمن بها على أساس التنزيه عن مشابهة الخلق.

الصفحة 565