كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فالأصل الأول: وهو أساس التوحيد: تنزيه الله عن مشابهة شيء من خلقه بشيء من صفاتهم، أو ذواتهم، أو أفعالهم.
والأصل الثاني: عدم جحد شيء مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله، بل يجب الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله إيماناً مبنيّاً على أساس ذلك التنزيه، على غرار: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11].
الأصل الثالث: هو أن نعْلَمَ أنَّ العقول مخلوقة واقفة عند حدِّها، لا تحيط علماً بخالقها، فهي عاجزة عن إدراك كيفية الاتِّصَاف بالصِّفَات، والله يقول: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110)} [طه: آية 110].
فمعلوم أن المتكلمين الذين نفوا كثيراً من صفات الله بالأدلة العقلية المفرغة في قوالب أقيسة منطقية قسموا الصفات قسمة سداسية، قالوا: منها صفة نفسية، ومنها صفة معنى، ومنها صفة معنوية، ومنها صفة فعل، ومنها صفة جامعة، كتقسيمهم المعروف (1).
ونحن نبيّن لكم أن كل هذه الصفات جاءت الآيات القرآنية بوصف الخالق بها، وبوصف المخلوق بها، والكل من ذلك حق، فالخالق حق، وصفاته حق، والمخلوق حق، وصفاته حق، ولكن صفة المخلوق ملائمة لذات المخلوق، وصفة الخالق لائقة بذات الخالق، وبين صفة الخالق والمخلوق من المنافاة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق، لا مناسبة ألبتة بين الذات والذات، ولا بين الصِّفَةِ والصِّفَةِ.

الصفحة 566