كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

ووصف بعض خلقه بالكلام فقال: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: آية 54]، وقال: {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس: آية 65].
ولا شك أن لله كلاماً لائقاً بكماله وجلاله، وللمخلوقين كلام مناسب لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم، وبين كلام الخالق والمخلوق من المنافاة كما بين ذات الخالق والمخلوق.
هذه صفات المعاني السبع التي أقَرَّ بها مَنْ جَحَدَ كثيراً من الصفات، كذلك الصفات التي يسمونها السلبية، والصفة السلبية في اصطلاح المتكلمين: هي التي لا تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي، وإنما تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله. وهي عند المتكلمين خمس صفات:
وهي البقاء، والقدم، والغنى المطلق، الذي يُسمونه: القيام بالنفس، يعنون به الاستغناء عن المحل والمُخَصّص، والمخالفة للخلق، والوحدانية (¬1).
أما القِدَم والبقاء: فالمتكلمون أثبتوهما لله، وقد قال بعض العلماء: إنه ورد بمثل ذلك حديث، وبعضهم ينفي صحته، والمتكلمون يقصدون بهما معنىً صحيحاً؛ لأن القِدَم عندهم: هو سلب العدم السابق، والبقاء: هو سلب العدم اللاحق، زاعمين أن الله أثبتهما لنفسه بقوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: آية 3] أي: الأول الذي لا ابتداء لأوليَّتِهِ، والآخر الذي لا انتهاء لآخرِيَّتِهِ. قالوا: هذا معنى القِدَم والبَقَاء.
فنقول: القِدم وصف الله به المخلوقين قال: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (147) من هذه السورة.

الصفحة 569