كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

ووصف خلقه بأنهم مُعَلّمُون، كقوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: آية 129]، وجمع المثالين قوله: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} [المائدة: آية 4].
ووصف نفسه بأن يُنبئ، ووصف بعض خلقه بأنه يُنبئ، قال: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: آية 3].
وأمثال هذا في القرآن لا تكاد تحصى، وقصدنا أن نُمثّل بجميع الصفات أن الله وصف بها نفسه، ووصف بها خلقه، وأن لله صفات حق، وللمخلوقين صفات حق، وصفة الخالق لائقة بجلاله وكماله، وصفة المخلوق مناسبة لحاله وعجزه وفنائه وافتقاره.
وكذلك وصف نفسه بالاستواء على العرش بسبع آيات من كتابه: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: آية 54]، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: آية 5].
ووصف بعض خلقه بالاستواء على مخلوق كقوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: آية 13]، {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: آية 44].
واستواء الخالق ليس كاسْتِوَاء المَخْلُوق، فبينهما من المنافاة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق، وهكذا في جميع صفات الله، إذا وصف نفسه بإتيان أو مجيء فإتيانه أو مجيئه لائق بكماله وجلاله، كسمعه وبصره، وقدرته وإرادته، منزه عن مشابهة إتيان الحوادث ومجيئهم، فكلّ ما يخطر في المعاني من إتيان الخلائق ومجيئهم، فصفة الخالق (جل وعلا) منزهة عنه كسائر صفاته.

الصفحة 575